Translate

الأطفاء

كانت النار وما تزال، على كثرة فوائدها واستعمالاتها، من أكثر قوى الطبيعة تدميراً. ويظل اسمها ناراً أو لهباً أو شعلة ما ظلت تحت السيطرة وفي نطاق التحكم فيها، أما إذا فقدت السيطرة عليها فتتحول إلى حريق. والحريق احتراق عشوائي يلتهم كل ما يصادفه من مواد قابلة للاشتعال ويتلف كل ما يصادفه من أشياء مهما كانت قيمتها ومقاومتها، ويعرض حياة الإنسان والحيوان للخطر. وأهم عوامله تفاعل كيمياوي بين المادة المشتعلة وأكسجين الهواء مع صدور كميات كبيرة من الحرارة وحدوث تبادل غازي مكثف بين نواتج الاحتراق. فإذا انطفأت النار في مراحل الحريق الأولى كانت مجرد احتراق لبعض المواد وانتهت من غير خسائر تذكر، وتبلغ نسبة هذا النوع من الحرائق نحو 25% من مجموع الحرائق كافة. أما الحرائق الكبيرة التي تحدث في أماكن تتكدس فيها مواد ذات قيمة كالمستودعات والمخازن ومراكز التموين والغابات وآبار النفط وغيرها فأقل نسبة من ذلك، إلا أن الأضرار التي تتأتى عنها كبيرة جداً والخسائر فادحة في أغلب الأحيان، وقد تزيد على 60% من إجمالي الخسائر الناتجة من الحرائق كافة. وتذكر الإحصاءات أن متوسط عدد الحرائق السنوي في الولايات المتحدة الأمريكية نحو مليوني حريق، وقد قدرت الخسائر التي تنجم عنها بنحو ثلاثة مليارات دولار سنوياً. ولا تدخل في الحساب هنا الخسائر غير المباشرة التي لا يمكن حصرها، كما أن متوسط عدد ضحايا الحرائق لا يقل عن ثلاثمئة ألف مصاب بينهم نحو اثنا عشر ألف قتيل.
أسباب الحرائق وأنواعها وطبيعة انتشارها
إن مسببات الحريق كثيرة، وفي مقدمتها عدم التعامل الحذر مع النار، وعدم مراعاة قواعد استعمال المواد السريعة الاشتعال أو الذاتية الاشتعال عند إنتاجها أو تعبئتها أو نقلها أو خزنها. ومن أسباب الحرائق أيضاً حدوث شرارة تفريغ كهربائية، أو صاعقة كهربائية قرب مادة ملتهبة، أو إهمال غير متعمد عند إشعال النيران بالقرب من مواد قابلة للاشتعال وفي أماكن تكثر فيها الأعشاب الجافة كالغابات والمراعي والحقول والمناجم وفي داخل المباني. وتقسم حرائق المباني إلى حرائق خارجية (مكشوفة) يمكن رؤية اللهب والدخان الصادر عنها بوضوح، وحرائق داخلية (مغلقة) لا يمكن رؤية بؤرة انتشارها ولا مدى تغلغلها.
تصنف الحرائق بحسب نوع المواد المحترقة في أربع فئات هي:
ـ حرائق المواد العادية القابلة للاشتعال كالخشب والورق والقماش، وأكثر هذه الحرائق تخمد بتبريدها بالماء أو بمادة رطبة تحوي الماء أساساً.
ـ حرائق السوائل والغازات السريعة الالتهاب كالمنتجات النفطية وغيرها، وهي تخمد بحرمانها من الأكسجين بخنقها أو عزلها برغوة عازلة أو بغاز الفحم أو بأي مادة كيمياوية غير قابلة للاشتعال. أما الماء فلا يستخدم هنا إلا لحماية المباني المجاورة لمكان الحريق.
ـ الحرائق الناجمة عن التجهيزات الكهربائية وأسلاك الكهرباء، وكل وسائل إطفاء الحرائق ناجعة في إخماد مثل هذه الحرائق شريطة ألا تكون ناقلة للتيار الكهربائي.
ـ حرائق المواد والمعادن القابلة للاشتعال بدرجات حرارة عالية والمستعملة في الصناعات الحديثة كالمنغنيز والصوديوم وغيرها، ويتطلب كل حريق من هذا النوع مادة خاصة لإخماده، ومن هذه الحرائق ما قد يستحيل إطفاؤه كحريق المنغنيز وحريق المفاعلات النووية.
وتقسم المساحات التي يكتنفها الحريق، اصطلاحاً، إلى ثلاث مناطق هي: منطقة الحريق النشط أو بؤرة الحريق، ومنطقة التأثير الحراري، ومنطقة الدخان. والعلامات الدالة على مكان المنطقة الأولى اشتداد اللهب أو وجود مواد مشتعلة أو شديدة الحماوة من دون لهب، وأما الأكسجين الضروري لاستمرار الحريق فيأتي من الهواء مباشرة، أو من تحلل المواد الغنية بالأكسجين بفعل الحرارة. ويبدأ الحريق بارتفاع حرارة المواد في بؤرة الحريق حتى تبلغ درجة الاشتعال، أما المواد غير القابلة للاشتعال فتسخن إلى درجة كبيرة وتفقد متانتها وصفاتها الميكانيكية، وتتشوه أشكالها. والحرارة هي السبب المباشر في الأثر التدميري للحريق، وقد ترتفع درجة الحرارة في داخل المباني عند بؤرة الحريق إلى 800-900 درجة مئوية، وتنتشر انتشاراً غير منتظم في أرجاء المكان، وتكون في أدنى درجاتها عند أرضية المبنى بعيداً عن البؤرة، وتبلغ أقصى درجاتها عند سقف البناء وفوق البؤرة مباشرة. كذلك تختلف درجة حرارة الحريق ومدته باختلاف أنواع المواد المحترقة وكميتها في وحدة المساحة، إلا أن الحرائق الخارجية تحدث حرارة أشد من الحرائق الداخلية عادة، وقد تبلغ 1200-1300 درجة مئوية في الغازات المحترقة و1100-1300 درجة مئوية في السوائل المحترقة و1000-1250 درجة في المواد الصلبة.
فإذا وجدت معادن أو خلائط معدنية قابلة للانصهار والاحتراق كالمغنزيوم والترميت (مزيج مسحوق الألمنيوم وأكسيد الحديد) فقد ترتفع الحرارة إلى نحو 2000-3000 درجة. وتنتقل الحرارة الصادرة عن بؤرة الحريق إلى الوسط المحيط بها بفعل التبادل الحراري والإشعاعي بحسب ناقلية ذلك الوسط للحرارة، وهو ما يطلق عليه اصطلاحاً اسم منطقة التأثير الحراري للحريق، ولا تقل درجة حرارة مزيج الهواء والغازات الناتجة من الحريق في هذه المنطقة عن 60-80 درجة، وهي خطرة على حياة الإنسان وقد تتلف الأشياء الموجودة في هذا الوسط. وفي أثناء الحريق يحدث انتقال واسع النطاق لنواتج الاحتراق والهواء، فتندفع الغازات المحترقة إلى الأعلى محدثة تيارات تتسبب في دخول تيار من الهواء البارد الكثيف إلى منطقة البؤرة. وتكون شدة التبادل الغازي في الأماكن المغلقة رهن أبعاد الفتحات في الجدران والسقف وارتفاع السقف وكمية المواد المحترقة ونوعها. وإن اتجاه حركة نواتج الاحتراق هو الذي يحدد، في أكثر الأحيان، جهة انتشار الحريق. وقد تحمل تيارات الغازات المتصاعدة معها شرارات وجزئيات محترقة ورماداً حاراً إلى مسافات بعيدة فتحدث فيها بؤر حريق جديدة. وهذه الغازات الناتجة من الاحتراق (الدخان) هي التي تحدد حجم منطقة التدخين، ويتكون الدخان عادة من آزوت وأكسجين وأول أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكربون وبخار الماء ورماد وغازات أخرى، وأكثر نواتج الاحتراق التام أو غير التام سامة ومؤذية، ولاسيما النواتج الصادرة عن احتراق مركبات كيمياوية، كما أن أول أكسيد الكربون قد يتحول باتحاده مع الأكسجين النقي إلى وقود إضافي أو مزيج متفجر.
أسس الإطفاء ومبادئه
كان الماء منذ أقدم العصور، وما يزال، أكثر المواد استعمالاً في مكافحة الحرائق والنيران. وقد أوجد العلم أنواعاً أخرى من المواد والوسائل الفاعلة في إطفاء الحرائق. ويتوقف استعمال كل مادة أو وسيلة على نوع الحريق ومدى انتشاره. والمبدأ الرئيس في إطفاء النيران هو حرمانها من الأكسجين. وثمة أربع طرائق يلجأ إليها رجال الإطفاء لإخماد أي حريق هي: تبريد سطح المواد المشتعلة، وخنق النيران أو كمها، وحرمان النار من وقودها، ونسف اللهب وإبعاده (التفجير).
تتم السيطرة على الحريق بتبريد المواد المشتعلة عن طريق خفض حرارة الاحتراق بسرعة تفوق قدرتها على التجدد. والماء هو المادة الأولى التي توفر هذه الشروط. ويجب أن يكون الماء بكميات كافية للسيطرة على النيران، ويصعب تحديد الكمية المطلوبة سلفاً. وينصح الخبراء باستعمال المياه في شكل ضباب كثيف أو رذاذ غزير، وتوجيه تيار الماء إلى قاعدة اللهب للحصول على أقصى مردود.
أما خنق النيران وكمها فيكون باستعمال غطاء من غاز ثاني أكسيد الكربون (غاز الفحم) أو البخار أو رابع كلوريد الكربون أو رغوة كيمياوية أو رغوة ميكانيكية، وكل هذه المواد تمنع الأكسجين الموجود في الهواء المحيط بالبؤرة من الوصول إلى المادة المشتعلة، أو تخفضه إلى درجة لا يمكن للهب الصمود أمامها فتختنق النار وتخمد. ويمكن لهذه الغاية أيضاً استعمال أكياس الخيش الرطبة والأغطية الكتيمة غير القابلة للاشتعال والرمل أو أي مادة مشابهة تحول بين الحريق وأكسجين الهواء.
أما حرمان النار من وقودها فيكون بإبعاد اللهب عن سطح الاحتراق أو إيقافه، بتقليص حجم المادة المشتعلة أو إزالتها كلياً أو إبعاد المواد التي ترفدها وتصلح وقوداً لها. فيمكن السيطرة على الغازات المحترقة مثلاً بإغلاق مصدر تسرب الغاز الذي يغذي الحريق. ويمكن السيطرة على حرائق الحقول والأعشاب والغابات بقطع الطريق عليها، ويعرف هذا الأسلوب باسم «الحريق الخلفي»، أي إشعال النيران عمداً في شريط من الأرض أمام اتجاه تقدم الحريق أو إزالة كل ما يصلح للاشتعال في ذلك الشريط، فلا يبقى للنار ما تأكله، ويخمد تلقائياً عند بلوغه الشريط المحروق.
أما نسف اللهب فيشبه إلى درجة ما إطفاء عود ثقاب بالنفخ، إذ يدفع بتيار شديد من الهواء إلى بؤرة الحريق. ويجب أن يكون تيار الهواء عاصفاً حتى يفصل اللهب عن المادة المحترقة أو يزيد في سرعة احتراق تيار الغازات الصاعد منها. وتطفأ أكثر حرائق آبار النفط بهذا الأسلوب عن طريق تفجير مركبات النتروغليسرين عند فوهة البئر فيعصف تيار الهواء الصادر عن الانفجار باللهب ويستهلك أكثر أكسجين الهواء المحيط بالبئر ويخمد الحريق.
تاريخ الإطفاء
تحفل كتب التاريخ بالأخبار عن حرائق أبادت مدناً ودمرت حضارات بكاملها. فقد اكتسح حريق هائل مدينة قرطاجنة الفينيقية في القرن الثاني قبل الميلاد فدمرها، وأصاب حريق مدينة رومة في القرن الأول الميلادي فأتى على القسم الأكبر منها، وكانت القدس ضحية حريق مماثل في القرن نفسه، وشهدت دمشق حرائق ونكبات كثيرة في تاريخها أتلفت أوابدها ودمرت حواضرها، ولاسيما منطقة الأسواق القديمة والجامع الأموي الذي احترق أكثر من مرة وأتى آخر حريق على الجامع وجواره عام 1893 في نحو ثلاث ساعات. كذلك تعرضت مدن كبرى في العالم لحرائق عدة ومن بينها لندن وموسكو وبوسطن وشيكاغو، وقد بلغ عدد ضحايا حريق ماغدبرغ في ألمانية (1631م) نحو 20000 نسمة، أما حريق شيكاغو الكبير (1871) فقد التهم أكثر أجزاء المدينة، ومن الحرائق المتعمدة بهدف التخريب أو إحداث الشغب حريق القاهرة (1952) الذي التهم في يوم واحد وسط المدينة وبعض أطرافها. أما حرائق الغابات والمصانع والفنادق والمسارح والمستودعات والمباني العامة فأكثر من أن تحصى، وهي الأكثر شيوعاً. وتعد حرائق المباني المتسعة من الداخل من دون جدران داخلية تحجز بينها كالمستودعات والمسارح والمطاعم وغيرها من أخطر أنواع الحرائق إذ يصعب تحديد بؤرة الحريق وحصره فيها.
إن أول خدمات إطفاء منظمة يذكرها التاريخ تعود إلى بدايات القرن الأول الميلادي، عندما أحدثت مفرزة من حراس ليليين في رومة Roman Vigiles من خدم القصر الامبراطوري وجهزت بوسائل مكافحة الحريق ومنها أول مضخة ضاغطة معروفة في العالم. وفي أواخر القرن الأول الميلادي نشب حريق هائل في مقاطعة بثينية Bithinia في الأناضول فاكتسح مدينة نيقوميدية (إزميت ـ تركية) ومدناً أخرى، فكتب حاكم المقاطعة بليني الأصغر يطلب من الامبراطور ترايانوس تنظيم مفارز إطفاء محلية. ويذكر ماركو بولو (1245-1324م) أنه شاهد في رحلته إلى الصين تنظيمات مكافحة حرائق من هذا القبيل.
جرت العادة في أكثر البلدان في العصور القديمة وفي العصور الوسطى أن يتطوع السكان أنفسهم لإطفاء الحرائق بما يتوافر لديهم من وسائل، ولاسيما الدلاء وزقاق الجلد التي تملأ ماء وتتناقلها الأيدي من مصدر الماء حتى مكان الحريق ثم تعود في صف آخر إلى مصدر الماء. وكانت لندن من أوائل المدن التي اتخذت تدبيراً احتياطياً لإطفاء الحرائق بإجبار السكان على تعيين عشرة أشخاص من كل حي يكونون بتصرف البلدية في حال نشوب الحريق، وأفردت لمعدات مكافحة الحريق مستودعاً خاصاً. وفي موسكو فرضت السلطة المحلية في القرن الخامس عشر تعيين شخص واحد لكل عشر دور يقوم بالطواف ليلاً ومعه معدات تساعد في إطفاء الحريق. وكانت أكثر المدن والقلاع تختار مفارز صغيرة من الجند لإطفاء الحرائق ومكافحتها، وظل الأمر على هذه الحال إلى القرن الثامن عشر، حين بدأت تظهر إلى الوجود وحدات إطفاء محترفة ومتفرغة في المدن والعواصم الكبرى. وكانت أول وحدة إطفاء مأجورة في الولايات المتحدة قد تألفت سنة 1697 في بوسطن (قبل الاستقلال) وزودت بمضخة ماء واحدة في بادئ الأمر ثم أضيفت إليها خمس مضخات أخرى.
وكانت أول آلة مخصصة لإطفاء الحرائق مضخة تشبه محقنة كبيرة الحجم تملأ ماء وتجر إلى مكان الحريق، ويقوم على تشغيل المضخة بضعة رجال. ثم ظهرت بعدها المضخة «الماصة الكابسة» ولها خزان ضغط يحقن فيه الماء ليخرج عن طريق خرطوم طويل باندفاع شديد، ويعمل على تشغيل المضخة صفان من الرجال. وقد أدخلت على هذه المضخة منذ اختراعها تحسينات كثيرة، واستعملت في مدينة نورمبرغ في ألمانية مضخة من هذا النوع سنة 1657م كان يجرها زوجان من الخيل وتحتاج إلى جهود 28 شخصاً لتشغيلها، وكانت تقذف نفثاً من الماء بقطر 5،2سم إلى ارتفاع 24 متراً. وبعد اختراع المحرك البخاري، زودت هذه المضخات بمحرك بخاري زاد في فاعليتها، ثم حلت المحركات الانفجارية محل محركات البخار وركبت المضخات على مركبات آلية فارتفعت قدرتها على الحركة وعلى دفع المياه إلى ارتفاعات أعلى وبضغط أكبر. وشاع استعمال عربات الإطفاء المجهزة بمحرك واحد لتسييرها ولتشغيل المضخة منذ العقد الثالث من القرن العشرين.
لم تختلف أساليب إطفاء الحرائق ومكافحتها في البلاد العربية عنها في البلاد الأخرى حتى أوائل القرن العشرين. وقد تأخرت البلاد العربية عامة في استخدام تقنيات الإطفاء عن دول العالم بسبب أحوالها، وشهدت عمليات مكافحة الإطفاء في البلاد العربية تقدماً ملحوظاً منذ الحرب العالمية الأولى. وتأسست في سورية أول مصلحة إطفاء في عام 1923. وكان إطفاء الحرائق قبل ذلك التاريخ يتم على يد مجموعات من المتطوعين مع مضخات يدوية على عربات تجرها الخيول ويؤازرهم رجال الدرك والحراس الليليون. ولم يكن عدد رجال الإطفاء في سورية عند تأسيس المصلحة يزيد على مئة رجل. وفي عام 1926 زودت مصلحة الإطفاء بعدد من السيارات المجهزة بمضخات ذات محرك. وافتتح أول مركز إطفاء في العاصمة دمشق في منطقة «خان البطيخ» ثم أحدثت أربعة مراكز أخرى في أماكن متفرقة من المدينة، وكان الإطفائيون يعملون أربعة أيام متتالية يعقبها يوم راحة، وجمعت هذه المراكز في مركز واحد في شارع «خالد بن الوليد»، واشتهر هذا الشارع لدى العامة باسم «الإطفائية». وفي عام 1952 بلغ عدد عربات الإطفاء المجهزة في العاصمة نحو 25 عربة، وارتفع عدد رجال المطافئ إلى نحو 400 رجل. ثم شهدت مصلحة الإطفاء بين عامي 1954 و1970 مرحلة جديدة في تطورها فحصلت على عربات متطورة ومزودة بسلالم آلية وصهاريج لضخ الرغوة والمساحيق الكيمياوية. إلا أن أهم قفزة نوعية شهدها مرفق الإطفاء في سورية بدأت منذ عام 1970 إذ تضاعف عدد عربات الإطفاء المزودة بأحدث المعدات لمكافحة الحرائق والإنقاذ، وزاد عدد رجال المطافئ في سورية على 3000 رجل مؤهل يعملون بأجر كامل. وينتظمون في وحدات شبه عسكرية تدعى أفواج الإطفاء وتتبع الإدارة المحلية.
تنظيمات رجال الإطفاء ومهماتهم
لا توجد دولة في العالم لا تملك تنظيماً متخصصاً بالإطفاء والإنقاذ، وإن اختلفت تسميته وصلاحياته ووسائل تمويله. وقد يكون تنظيم الإطفاء مركزياً في بلد ومحلياً في بلد آخر، أو تكون له صفة عسكرية أو مدنية أو شبه عسكرية. ولكن مهمات رجال الإطفاء ومعداتهم وأساليب عملهم تكاد تكون متماثلة في أكثر الأحيان، ويغلب على أكثر تنظيمات الإطفاء طابع اللامركزية، وأكثرها وحدات محترفة ومأجورة براتب كامل تردفها وحدات متطوعة ووحدات الدفاع المدني والحرس الوطني ومفارز من القوات المسلحة مهيأة لهذه الغاية. ففي الولايات المتحدة الأمريكية جيش كامل من رجال الإطفاء يزيد عددهم على مئتي ألف رجل يعملون بأجر كامل ويرفدهم أكثر من مليون متطوع. وفيها نحو 1300 إدارة إطفاء للمحترفين و18000 إدارة إطفاء من المتطوعة في المدن الصغيرة والمجتمعات الريفية، تمولها السلطات المحلية والبلديات مستفيدة من عائدات الرسوم المفروضة على شركات التأمين. وفي روسية الاتحادية ما تزال تنظيمات الإطفاء على نحو ما كانت عليه في زمن الاتحاد السوفييتي السابق، وهي تضم وحدات شبه عسكرية وإدارة خاصة بمراقبة الحرائق تتبع وزارة الداخلية وعدداً من التنظيمات المتخصصة بالإطفاء والتابعة لوزارات أخرى ومن بينها وزارة الغابات ووزارة الإمداد بالنفط ووزارة المواصلات. ويضاف إلى ذلك عدد من مفارز الإطفاء المتطوعة من عمال التعاونيات والمصانع الكبيرة. وفي ألمانية الاتحادية تملك كل ولاية تنظيماً خاصاً بها للإطفاء تشرف عليه إدارة عامة في مستوى حكومة الولاية، وإلى جانب هذا التنظيم توجد مفارز إطفاء من المتطوعة في كل مدينة ويضمها اتحاد عام في مستوى الدولة. وفي فرنسة تستأثر باريس ومرسيلية من دون سائر المدن الفرنسية بوحدات إطفاء شبه عسكرية. ويتبع لواء إطفاء باريس مفوضية الشرطة العامة، ويتولى أعمال الإطفاء والإنقاذ في العاصمة وضواحيها.
أما البلاد العربية فقد تبنت تنظيمات إطفاء تماثل ما هو متبع في المستوى العالمي مع بعض الاختلاف في أسس التنظيم والتبعية والتمويل وفق أحوال كل منها. فقد تبنت سورية مثلاً التنظيم المدني شبه العسكري، إذ ينتظم رجال الإطفاء فيها في وحدات أصغرها «زمرة الإطفاء» ثم السرية التي تضم عدة زمر، ثم الفوج الذي يتألف من ثلاث سرايا تتناوب العمل فيما بينها. وتتوزع زمر كل سرية على مراكز الإطفاء المنتشرة في المدينة. ولكل محافظة من محافظات سورية فوج إطفاء يختلف عدد أفراده وحجم عتاده باختلاف حجم المحافظة وكثافة سكانها، ويمول من موازنة المحافظة ويتبع المحافظ في كل أموره. وتشرف على شؤون هذه الأفواج وتنسق عملها إدارة عامة للإطفاء تتبع وزارة الإدارة المحلية. وإضافة إلى أفواج الإطفاء النظامية تملك قوات الدفاع المدني والجيش الشعبي والقوات المسلحة وحدات إطفاء متخصصة تعمل في حالات الطوارئ، كما توجد في المطارات وحقول النفط ومصافي النفط وبعض الوزارات وحدات إطفاء خاصة بها. وتنظم في المعامل الكبيرة مفارز إطفاء من عمالها يتم تدريبهم على أعمال الإطفاء والإنقاذ.
أما المناطق الريفية والقرى التي لا يسمح حجم بلدياتها وميزانياتها بتوفير تسهيلات إطفاء كافية فيتولى مرفق الإطفاء فيها رجال متطوعون مع بعض المعدات البسيطة. ويقوم هؤلاء بمحاولات حصر الحريق ومنع انتشاره ريثما تصل وحدات الإطفاء النظامية من أقرب مركز.
وعلى الصعيد العالمي ثمة هيئة دولية تدعى «اللجنة الدولية لدرء الحرائق ومكافحتها» تأسست في مطلع القرن العشرين ومقر أمانتها الدائم مدينة باريس، وتنتسب إليها 28 دولة أوربية وأمريكية، وهي تعنى بتطوير التعاون العلمي والتقني والاتصالات بين الدول الأعضاء في مجال الوقاية من الحرائق ومكافحتها. وتجتمع الجمعية العمومية لهذه اللجنة كل أربع سنوات. وتعقد رئاسة اللجنة دورات ومؤتمرات سنوية لمناقشة مشكلات مكافحة الحرائق وآخر ما تم إنجازه في هذا الميدان.
يقع على عاتق وحدات الإطفاء وإدارتها مسؤوليات كثيرة إضافة إلى مكافحة الحرائق. ويأتي في مقدمة هذه المسؤوليات مراقبة الأماكن المعرضة لخطر نشوب الحرائق ولاسيما الغابات والأهراء والمستودعات وأماكن تخزين المواد القابلة للاشتعال وكذلك المباني المعرضة للسقوط أو لخطر الحريق والتحقق من وجود تجهيزات الإطفاء والوقاية من الحريق ومراعاة قواعد الأمن من الحريق في هذه الأماكن. ومن المسؤوليات الأخرى المشاركة في برامج التوعية والتثقيف للوقاية من الحرائق وتدابير السلامة من الحوادث. ويدخل في نطاق مهمات رجال الإطفاء كذلك القيام بأعمال الإنقاذ والإسعاف والعناية بالمصابين في حال الحريق أو في حالات الطوارئ والكوارث الطبيعية والحروب، وفي حوادث الطرق وحوادث القطارات والطائرات. ويلحق بوحدات الإطفاء في المدن عادة زمر إسعاف وإنعاش لإنقاذ المصابين بالاختناق والتسمم. وتدل الإحصاءات على أن عدد الحالات التي تستجيب لها وحدات الإطفاء لأسباب غير الحريق تزيد على حالات الحريق نفسها. وتتعاون وحدات الإطفاء فيما بينها ومع وحدات الإطفاء الخاصة الأخرى في حال كون الحريق أو الكارثة أكبر من أن تتولى أمرها وحدة واحدة. وقد بينت خبرة الحروب والكوارث ضرورة وجود خطط شاملة لمواجهة مثل هذه الحوادث الكبيرة ولاسيما في المدن والمناطق الحيوية والاستراتيجية من البلاد، وضرورة التعاون الوثيق بين السلطات المعنية بالإطفاء والسلطات الأخرى كالشرطة والجيش والدفاع المدني والإسعاف والمؤسسات العامة، كما يوجد مثل هذا التعاون بين الدول المتجاورة.
وبسبب خطر حوادث الطائرات لا يخلو مطار واحد من وحدة إطفاء مزودة بالمعدات اللازمة، ولاسيما الموانئ الجوية التي تتطلب معدات متطورة كعربات فرش وسادة رغوية مقاومة للحريق على المهابط، أو رش رذاذ ضبابي لإطفاء لهب البنزين. كما أن المدن الكبيرة الموجودة على ضفاف البحيرات والأنهار الصالحة للملاحة والمرافئ البحرية تملك قوارب وسفناً خاصة مزودة بوسائل مكافحة الحرائق وقادرة على المناورة بحرية داخل المرفأ.
معدات الإطفاء
استخدام السلم الكبير وقاذفة للماء لمكافحة الحرائق
طرأ تحسن كبير على معدات مكافحة الحرائق وموادها في النصف الثاني من القرن العشرين، ولعل أهم هذه المعدات عربات الإطفاء وهي كثيرة التنوع ومتعددة الأغراض. فمن هذه العربات ما هو مجهز بسلالم كبيرة آلية ترتفع في الهواء أو سلالم جدارية ذات خطاطيف، ولبعضها سلم قابل للإطالة وقد يصل ارتفاعه إلى 45 متراً، ويتم رفعه وإطالته بمحرك قوي مركب على العربة نفسها. وبعض هذه العربات بست عجلات قد يصل طول الواحدة منها إلى 19 متراً، وثمة نوع آخر بأربع عجلات يقل طوله عن 15 متراً. ومن العربات ما هو مزود بخراطيم ضخ تربط بمنهل ماء خارجي ومنها ما يحمل صهريج ماء على متنه ومضخات قوية تدفع الماء بضغط يعادل 225كغ/ سم2. وتستطيع المضخة الواحدة ضخ نحو 3800 لتر ماء في الدقيقة إلى ارتفاع كبير. وقد تزود بعض العربات بخزانات ضخ الرغوة أو ذرِّ المساحيق أو رش مواد الترطيب، أو تكون مزدوجة الغرض أو متعددة الأغراض. وتستعمل عربات الإطفاء المجهزة بخزانات الرغوة أو غاز ثاني أكسيد الكربون المضغوط لمكافحة حرائق الطائرات خاصة. ومن عربات الإطفاء كذلك عربات الصهريج العادية التي قد تبلغ حمولة العربة الواحدة منها 7600 لتر.
تعد سلالم الإطفاء والرافعات ذات السلال من المعدات الأساسية لوحدات الإطفاء ولا غنى لها عنها. وهي لا تستعمل لأعمال الإطفاء فقط بل لإنقاذ المحاصرين في المباني المحترقة أيضاً. ومن السلالم ما هو ثابت على العربة يرفع ويُطال بمحرك قوي، ومنها ما هو قابل للحمل والنقل، بمختلف الحجوم والأطوال. ويجهز أكثر سلالم الإطفاء بسكة جانبية تساعد رجل الإطفاء على رفع خرطوم المياه وتوجيهه والقيام بأعمال الإنقاذ بحرية وأمان.
    المنصة القابلة للرفع في سيارة الإطفاء الحديثة، ويمكن رفح المنصة حتى علو 23 متراً، وتستخدم في أعمال الإنقاذ أو الإطفاء أو الاستطلاع
ومن أجهزة الإطفاء الأخرى أدوات القطع والتحطيب المختلفة المعدة لفتح الثغرات والمداخل، وفأس رجل الإطفاء من أكثر أدواته فاعلية وهي مصممة لاستخدامات متعددة. ومن المعدات أيضاً شبكات الإنقاذ المصنوعة من نسيج شديد المتانة، ومنها كذلك أجهزة الإرسال والاستقبال اللاسلكية الضرورية لقيادة عمليات الإطفاء والإنقاذ وتوجيه عربات الإطفاء إلى أماكنها. ويزود كل رجل إطفاء بخوذة عريضة الحواف لوقاية الرأس، وملابس جلدية واقية وكتيمة، وملاءات كتيمة من المطاط أو النسيج المتين المشرب بمواد مقاومة للاشتعال، وكذلك بأقنعة واقية من الغازات السامة والدخان والروائح.
وقد شاع في العقود الأخيرة من القرن العشرين استخدام الطائرات والحوامات في إطفاء الحرائق وخاصة حرائق الغابات والمصانع وحقول النفط، وتزود هذه الطائرات بصهاريج أو عبوات لحمل المياه وإلقائها فوق بؤر الحريق، أو بحاويات لرش مواد مكافحة الحرائق بحسب أنواعها. وقد كان لمثل هذه الطائرات شأن مهم في إطفاء حريق المفاعل النووي تشيرنوبل.
الإمداد بالمياه
تحتل مسألة الإمداد بالمياه المرتبة الأولى بين اهتمامات رجال الإطفاء، فالماء ما يزال إلى اليوم المادة الرئيسة المستعملة في الإطفاء، ولا يمكن لأي وحدة إطفاء أن تعمل بفاعلية ونجاح من دون مياه مهما كانت معداتها ومستوى تدريبها. (عندما تحطمت تمديدات المياه الرئيسة في مدينة سان فرانسيسكو (الولايات المتحدة) في زلزال عام 1906 وقف رجال الإطفاء عاجزين أمام انتشار النيران السريع حتى فاقت الأضرار التي نجمت عن الحرائق أضرار الزلزال نفسه). ولضمان الكميات الكافية من المياه لإطفاء أي حريق داخل المدن تخصص البلديات عادة مناهل مستقلة للمياه لا ترتبط بخطوط تمديدات المياه العادية، وتهيئ لها مضخات خاصة. كما تقام لهذه الغاية خزانات مياه خاصة في نقاط متعددة من المدينة ولا يبعد واحدها عن الآخر أكثر من مئات الأمتار. أما خراطيم المياه التي تستعمل في الإطفاء فتراوح بين الأنبوب المرن المعد لإطفاء الحرائق الصغيرة والخراطيم الكبيرة  التي يبلغ قطر الواحد منها 7سم، وتختلف فوهة الخرطوم بحسب حجمه واستخدامه: ومنها الفوهات الصغيرة التي يمكن التحكم فيها يدوياً بسهولة، ومنها الفوهات الضخمة جداً، وقد تسمى «مدفعاً» وتركب عادة على ظهر عربة إطفاء. ويمكن رفع الخراطيم بمساعدة السلالم والرافعات إلى ارتفاع سبعة طوابق كي يتاح لرجل الإطفاء توجيه تيار المياه إلى قاعدة النار أفقياً وفي داخل المبنى مباشرة.
منظومات الإنذار والوقاية من الحرائق
إن الإنذار بالحريق في الوقت المناسب من أهم إجراءات مكافحة الحرائق. وتعد منظومة الإنذار الفاعلة جزءاً متمماً لأي عملية إطفاء ناجحة، وكل تأخير في الإنذار قد يؤدي إلى خسائر في الأرواح والممتلكات يمكن تجنبها. ولا يزيد الوقت الضائع بين لحظة وصول الإنذار وانطلاق وحدة الإطفاء إلى مكان الحريق في أكثر مدن العالم على دقيقة واحدة.
يعد الهاتف وسيلة الإنذار الأولى في أكثر بلدان العالم، وقد تجهز بعض المدن الكبرى بصناديق إنذار مطلية باللون الأحمر ومعلقة في زوايا الشوارع في أماكن يسهل بلوغها وعلى مسافات متقاربة لا تزيد على مئات الأمتار. كما تركب مثل هذه الصناديق في المباني العامة والمؤسسات ذات الأهمية والمستودعات الضخمة، وتوصل هذه الصناديق سلكياً أو لا سلكياً بوحدة مناوبة مركزية تتلقى الإشارة برقياً أو هاتفياً. وفي كلتا الحالتين يستطيع المناوب المسؤول معرفة مصدر الإشارة من لوحة أمامه. ويكون لمركز المناوبة عادة أرقام هاتفية سهلة الحفظ والتداول.
أما منظومات الوقاية من الحرائق فتشتمل على مجموعة الإجراءات الحكومية والاجتماعية الهادفة إلى درء نشوب الحرائق والحد من انتشارها ولاسيما في الأماكن العامة والغابات والمتنزهات وغيرها، وتوفير الشروط الملائمة لإخلاء السكان وإطفاء الحرائق بنجاح.
تضع كل دولة معايير وقواعد عامة لأمن الحرائق والكوارث، وتفرض متطلبات محددة على المرافق الصناعية والزراعية وإدارة الغابات والأهراء والمستودعات والمحلات التجارية والمسارح والنوادي والمشافي والفنادق والدوائر الحكومية والمؤسسات العامة والخاصة وعلى دور السكن أيضاً، وتتولى مهمة الرقابة والتفتيش على تطبيق هذه القواعد هيئة متخصصة تتبع إحدى السلطات المحلية، كما تقوم بالمهمة نفسها في بعض الدول جمعيات مدنية أو محلية لدرء الحرائق. وتحتل التوعية الثقافية مكانة بارزة بين إجراءات الوقاية من الحريق، بتنظيم دورات تدريبية للعاملين في هذه الأماكن وإرشاد السكان إلى مخاطر الحرائق وأسبابها عن طريق وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة. ومن الإجراءات الأمنية المهمة مراعاة القواعد العامة المحددة للبناء والعزل بين الأبنية وترك المنافذ بينها ووضع خزانات مياه احتياطية ومآخذ للمياه وخراطيم إطفاء فيها، وتركيب سلالم نجاة خارجية ومخارج للنجاة، وتركيب أجهزة إطفاء أُتُماتية وأجهزة إنذار، ووضع لوحات توجه شاغلي البناء إلى ما يجب عمله في حال نشوب حريق، ووضع مطافئ الحريق ومعدات الإطفاء اليدوية في متناول اليد.
تحول منظومات الكشف الأُتماتية عن الحرائق ومنظومات الإطفاء الأُتماتية في المباني العامة والمصانع دون انتشار الحريق. وتتألف هذه المنظومات من أجهزة كشف تتحسس بالحرارة عند تجاوزها الحد الطبيعي فتطلق إنذاراً صوتياً أو ضوئياً أو هاتفياً إلى مراكز الإطفاء القريبة، أو ترسل إشارة إلى مطفأة الحريق الأُتماتية المركبة بالقرب منها فتعمل تلقائياً. وقد تضم بعض هذه المنظومات خلايا ضوئية ترسل الإنذار في حال تكاثف الدخان بدرجة غير عادية.
تقنيات مكافحة الحريق
لكل حريق طابعه ومواصفاته. ويتوقف سلوك رجال الإطفاء وأسلوب عملهم على عوامل كثيرة منها مكان بؤرة الحريق ومدى انتشاره وشدة النيران ونوع المواد المشتعلة ووجود خطر على حياة الناس وتوافر مصادر المياه ومواد الإطفاء الأخرى، وكذلك على شدة الرياح واتجاهها. ومهمة رجل الإطفاء معقدة ولا تخلو من أخطار قد تكون قاتلة في بعض الأحيان. ويسهل إطفاء النيران إذا لم يتوافر لها المجال لتنتشر وتتسع، وقد يغدو اتساعها أكبر من طاقة رجال الإطفاء وإمكاناتهم. وعندما تندفع عربات الإطفاء إلى موقع الحريق يبقى قائد السرية (الزمرة) الموجود في العربة الأولى على اتصال لاسلكي مستمر مع قيادة الفوج أو الضابط المسؤول في مكان الحادث. وكلما وصلت عربة إطفاء أو إسعاف إلى الموقع يتولى الضابط المسؤول إرشادها إلى المكان المناسب لعملها. وإن توقف عربة واحدة عشوائياً في غير محلها ولاسيما في مراحل الحريق الأولى قد يعوق جهود وحدات الإسعاف والإطفاء إلى درجة خطرة. كما أن أي خطأ في اختيار مادة الإطفاء قد يؤدي إلى كارثة. وعندما يمد رجال الإطفاء خراطيم المياه ويربطونها بمناهلها يتنبهون إلى عدم تشابكها وإلى ترك ممرات لتسهيل حركة العربات الأخرى. ومهما تكن طبيعة الحريق أو مكانه داخل المبنى فيجب توجيه الاهتمام بالدرجة الأولى إلى إنقاذ الناس المحصورين فيه، ويجب أن تستمر تهوية البناء في هذه المرحلة مع عملية الإنقاذ. وأول ما يحاول رجال الإطفاء في هذا الصدد فتح ثغرات في سقف البناء تسمح بخروج الدخان والغازات السامة منه قبل دخولهم إليه. فإذا تعذرت تهوية البناء المحترق عن طريق السطح يمكن استعمال وسائل التهوية الميكانيكية كالمراوح المتنقلة وأجهزة طرد الدخان وأجهزة سحب الدخان وتيارات الضباب المائي. كما يجب أن يتركز الاهتمام على منع انتشار الحريق إلى الأماكن المجاورة. ولهذه الغاية يرش رجال الإطفاء المباني المتاخمة للحريق بالماء، ولاسيما تلك التي تقع في اتجاه الريح القادمة من جهة الحريق. كما يرش كل بناء قريب يحوي مادة قابلة للاشتعال السريع.
يمكن أن يعد الحريق منتهياً إذا تمكن رجال الإطفاء من حصره والحيلولة دون تجاوزه الحدود التي فرضوها. وفي أثناء ذلك يسعى رجال الإطفاء دائماً إلى حماية ما تمكن حمايته من أثاث وممتلكات وأجهزة ومواد للإقلال، ما أمكن، من الأضرار والخسائر بسبب الحريق أو المياه. وبعد إخماد الحريق تبقى على رجال الإطفاء أعمال كثيرة، من بينها لف الخراطيم وإعادتها إلى أماكنها وتحري معداتهم وإعدادها للطوارئ المقبلة، ثم تفتيش كامل البناء المحترق بدقة وعناية لتحري وجود بؤر حريق كامنة، وتصريف المياه الراكدة وإزالة الركام والأنقاض للتخفيف من الأضرار، ومحاولة إنقاذ ما سلم من مواد وممتلكات بتغطيتها أو نقلها.
وأخيراً يقوم رجال الإطفاء والمفتشون والخبراء بتفتيش المبنى لتحديد مكان بدء الحريق وتحري أسبابه، وتفتيش الأبنية الأخرى تجنباً لخطر مماثل ثم وضع تقرير مفصل عن وقائع الحريق ونتائجه. وإن مكافحة الحرائق في العصر الحاضر تنطوي على مخاطر كثيرة بما ينتج عنها من ارتفاع شديد في درجات الحرارة ولسرعة انتشارها من غير ضابط وإطلاقها كميات كبيرة من الغازات السامة والضارة، وتتطلب مكافحتها توافر وسائل إطفاء فعالة ومتكاملة وعلى أهبة الاستعداد دائماً. ورجال الإطفاء معرضون لأخطار ومجازفات كثيرة ومتنوعة ويفترض أن يكونوا دائماً على أتم استعداد لمواجهة أي كارثة ولمساعدة من يحتاج إلى مساعدة وأن تتوافر لديهم المهارة والخبرة والجرأة، ومهما تكن الميزات التي تمنح لجندي الإطفاء فهي لا تفيه حقه من العرفان في مقابل ما يقوم به من تضحيات.
مطافئ الحريق
مطفأة الحريق وعاء قابل للحمل أو مركب على عجلة يملأ بمواد تصلح لمكافحة النيران. وتفرض القوانين العامة في أكثر البلدان توافر مطافئ الحريق في كل مبنى أو دار سكن وفي وسائل النقل. وأكثر مطافئ الحريق شيوعاً هي التي تحوي ماء أو غاز ثاني أكسيد الكربون أو رابع كلوريد الكربون أو ثاني كربونات الصوديوم الجافة. وكل هذه المركّبات تخمد النار بتبريد سطح المادة المحترقة أو بمنع الأكسجين عنها (خنقها) أو بالطريقتين معاً. ويتوقف نوع المطفأة التي يجب استعمالها على طبيعة الحريق وحجمه.
قذف مستودع للمحروقات برغوة كربونية من مدافع للرغوة
تستعمل المطفأة التي تحوي ماء لإخماد النيران بالتبريد، وقد تحرمها من الأكسجين لمدة قصيرة بستار من بخار الماء الكثيف يتكون عندما يصبح الماء على تماس مباشر مع سطح الاحتراق. وقد تضاف إلى الماء بعض الكيمياويات التي تسهل تغلغله في المادة المحترقة أو تكون مع الماء رغوة تبرد السطح وتخفف لهيبه وتعزله.
يضخ الماء من المطفأة يدوياً، أو يطرد منها تحت ضغط غاز مضغوط. ويتولد الغاز المضغوط من تفاعل كمية من حمض الكبريت موضوعة في قارورة داخل المطفأة مع محلول ثاني كربونات الصوديوم في الماء الذي يملأ المطفأة. ويبدأ التفاعل حين تقلب المطفأة رأساً على عقب فيتحرر الحمض من القارورة ويختلط بالمحلول القلوي، وينتج هذا التفاعل غاز ثاني أكسيد الكربون بكميات كبيرة تكفي لدفع الماء خارج المطفأة تحت ضغط معين.
لا يجوز أن تستعمل مطافئ الحريق المائية لإطفاء النيران الناجمة عن التجهيزات الكهربائية خشية الإصابة بصدمة كهربائية، لأن المياه الحامضية والقلوية جيدة الناقلية للكهرباء. كذلك لا تستخدم هذه المطافئ في إطفاء حرائق الكيمياويات والسوائل الملتهبة كالزيوت والنفط والبنزين لأن الماء يزيد الحريق سوءاً ويزيد في انتشاره. ويمكن استخدام الماء في شكل ضباب كثيف في هذه الحالات.
أما المطافئ الحاوية على غاز ثاني أكسيد الكربون، فتملأ بالغاز المميّع تحت ضغط كبير فإذا فتح له منفذ يتحول إلى حالته الغازية بكثافة كبيرة، ويوجه الغاز المنطلق عن طريق أنبوب نفث قصير ينتهي بفوهة مخروطية طويلة إلى قاعدة النار، فيحول الغاز المنطلق دون وصول الأكسجين إلى النار فتنطفئ. ولما كان غاز ثاني أكسيد الكربون يتطاير بسرعة في الريح فإنه قليل الفائدة في الهواء الطلق. ومع ذلك تعد مطافئ غاز الكربون من أفضل وسائل مكافحة الحرائق الصغيرة الداخلية، ولاسيما الحرائق التي يسببها تماس كهربائي أو مادة كيمياوية.
أما المطافئ الحاوية على رابع كلوريد الكربون فتخمد النار بتغطيتها بستار من بخار هذه المادة فتحرم النار من الأكسجين وتخنقها ويخرج رابع كلوريد الكربون من المطفأة بالضخ. ولما كان رابع كلوريد الكربون أكثف من الهواء ومن غاز الفحم فهو لا يتطاير بسهولة، ولكن هذه المادة والغازات التي تنتج منها شديدة السمية ولا يجوز استخدامها لهذا السبب في مكافحة النيران في الأماكن المغلقة الصغيرة، مع ارتداء الأقنعة الواقية.
أما المطافئ الحاوية على ذرور جاف فتملأ بمسحوق ثاني كربونات الصوديوم ومركبات أخرى، ويتم طرد هذا الذرور من المطفأة بفعل الغاز المضغوط. وتتسبب حرارة النيران في انطلاق كميات كبيرة من غاز ثاني أكسيد الكربون عند ملامسة هذا الذرور النار، وتزداد كمية الغاز كلما ازدادت درجات الحرارة ارتفاعاً، وبالتالي فإن إطفاء الحرائق بهذه المادة من أكثر الأساليب فاعلية. كذلك تقوم حبيبات الذرور الصلبة، التي تضبط حجومها بدقة، بمهمة تبريد سطح المادة وتغلفها بغلاف عازل صلب. والمطافئ من هذا النوع أفضل وسائل مكافحة الحريق الناتج من السوائل الملتهبة والكهرباء.
ما يجب عمله في حال نشوب حريق
الحريق امتحان عسير يتعرض له الإنسان في أحوال غير مواتية. وهو خطر على حياة الناس والحيوان إضافة إلى ما يحدثه من أضرار وتدمير. ولكل حريق خصائصه التي تحدد السلوك الواجب على المرء اتباعه عند نشوب الحريق سواء كان في المنزل أو في مبنى عام. وأول ما يجب أن يتحلى به الإنسان في هذه الأحوال الهدوء والشجاعة وضبط النفس، فالعمل المتروي والسلوك الواعي من غير هلع قد ينقذ حياة الكثيرين.
ففي حرائق المنازل يجب ما يلي:
ـ الحرص على عدم إثارة الهلع والتصرف بهدوء ورباطة جأش.
ـ التفكير أولاً بالأمن الشخصي وعدم التعرض للخطر. ومحاولة السيطرة على النار بمطفأة الحريق المنزلية أو بخرطوم ماء إن لم يكن استعماله خطراً (إذا لم يكن الحريق من منشأ كهربائي أو بسبب مادة سائلة أو غازية). فإن لم يكن بالإمكان السيطرة على النار يجب جمع أفراد الأسرة والتوجه بهم إلى مكان آمن خارج البناء، واتباع طريق النجاة الأسلم.
ـ استدعاء رجال الإطفاء فور نشوب الحريق هاتفياً وقبل مغادرة المنزل إذا سمح الوقت بذلك، فإذا لم تكن ثمة فرصة لذلك أو لم يكن في المنزل هاتف، يجب إنذار رجال المطافئ عند بلوغ أول مكان آمن. ويجب دائماً تذكُّر أرقام هواتف أقرب مراكز الإطفاء، ومكان وجود صناديق الإنذار بالحريق في الشوارع العامة. وهذا الإجراء ضروري ومهم لسكان المناطق المتطرفة والقليلة السكان.
ـ إذا كان ثمة دخان كثيف داخل الدار فيجب ما يلي: تكميم الفم والأنف بمنشفة مبللة وربطها جيداً، والزحف على اليدين والركبتين حتى بلوغ المأمن، وعلى المرء أن يتذكر دائماً أن الدخان يصعد إلى أعلى ويبلغ أقصى كثافته عند سقف الغرفة.
ـ إغلاق جميع الأبواب بعد مغادرة المكان، فتيارات الهواء الداخلة من الأبواب والنوافذ المفتوحة تزيد في شدة الحريق.
ـ أما إذا كان المرء في غرفة مغلقة فعليه تحسس الباب قبل فتحه، وعدم محاولة فتح باب شديد السخونة، فقد يكون ثمة لهيب في الطرف الآخر من الباب.
ـ إذا لحقت النار بثياب المرء فيجب كمها بغطاء أو شرشف أو سجادة أو معطف كتيم، وإن لم يتوافر شيء من ذلك فعليه التدحرج على الأرض حتى تنطفئ النار. أما الهرولة والركض فيزيدان في التهاب الثياب المشتعلة.
ـ إذا سدت مخارج النجاة في وجه المرء فعليه اتباع ما يلي: عدم القفز من النوافذ العالية (يستثنى من ذلك الطابق الأرضي) واستدعاء رجال الإطفاء إن قدر على ذلك. والانتظار في جوار النافذة أو على الشرفة حتى يتم إنقاذه، والصراخ بصوت عالٍ للفت الانتباه إليه.
ـ إذا خرج المرء من المبنى بأمان فعليه عدم العودة إليه قبل إخماد الحريق مهما كانت الأسباب.
أما الحرائق في المباني العامة فيجب التصرف حيالها على النحو التالي:
ـ إذا اشتعلت النار في المكتب ولم يستطع المرء السيطرة عليها بمطفأة الحريق فعليه استدعاء رجال الإطفاء على الفور، وإبلاغ المسؤول الأمني عن الطابق الذي فيه الحريق، أو إنذار كل من في الطابق كي يغادروا المبنى. والخروج من المبنى من أكثر المخارج أمناً وعدم محاولة العودة إليه، إن السرعة في الإبلاغ عن الحريق تقلل كثيراً من الخسائر.
ـ إذا حدث الحريق في فندق أو مستشفى فعلى المرء عدم الركض في الممرات المملوءة بالدخان، فضحايا التسمم بالدخان أكثر من ضحايا الحريق نفسه، وإذا لم يجد المرء منفذاً عن طريق سلالم النجاة الخارجية فعليه إنذار مكتب الاستعلامات وانتظار رجال الإنقاذ.
ـ إذا حدث الحريق في مسرح أو مطعم أو ناد ليلي أو أي مبنى مزدحم فعلى المرء التوجه بهدوء ومن دون تدافع إلى أقرب مخرج للنجاة، إذ إن أكثر ضحايا حرائق المباني المزدحمة هي التي تنتج من تدافع الناس فيدوس بعضهم بعضاً. ويفترض في مثل هذه المباني، قانوناً، وجود عدد كاف من المخارج لأمن شاغليها وليغادر كل من فيها المكان بنظام من دون هلع. ويجب أن يتوافر في كل مبنى عام إجراءات وقائية من أي حريق محتمل وأن توجد فيه لوحات توجه الناس إلى ما يجب عمله، وأن تكون أماكن الخروج معلمة بعلامات واضحة، وأن تتوافر فيه أجهزة الإنذار من الحريق وأجهزة الإطفاء الأُتماتية ومعدات الإطفاء الأولية.

0 التعليقات:

إرسال تعليق